الفيلم التسجيلي والفيلم الروائي ـ دراسات في البنية

يُعد هذا الكتاب مرجعاً شاملاً يستعرض السينما من زاويتين رئيسيتين: الفيلم التسجيلي (الوثائقي) والفيلم الروائي، مقدماً دراسات نظرية وتحليلية معمقة حول تطور الفن السينمائي. يتناول الكتاب مجموعة من المفاهيم التي تتعلق بالبنية السينمائية، المونتاج، الصوت، الحبكة، اللغة السينمائية، والعلاقة بين الواقع والخيال، حيث يعكف على دراسة كيف تنسج هذه العناصر معاً لتشكل تجربة سينمائية متكاملة.

في القسم الأول من الكتاب، يبدأ بالتعرف على الفيلم التسجيلي كنوع سينمائي مميز، حيث نتناول تطوره التاريخي، والكيفية التي يعكس بها الواقع ويعيد تشكيله من خلال رؤية المخرج. يتناول أيضاً تصنيفات متعددة للأفلام التسجيلية، مثل تلك التي تعتمد على الحبكة أو السينما المباشرة، ويبحث في العلاقة المعقدة بين الفن والواقع، حيث يعرض الكتاب أسئلة فلسفية تتعلق بما إذا كان الفيلم التسجيلي مجرد تسجيل للواقع أم أنه يقدم إعادة بناء فنية له.

يتوسع الكتاب ليغطي أيضاً الجوانب التقنية للفيلم الروائي، مستعرضاً بنيته الأساسية من حيث المونتاج، والحوار، والموسيقى، واللون، بالإضافة إلى تسليط الضوء على دور الخيال والحبكة في صنع الفيلم الروائي. في هذا السياق، يناقش الكتاب كيفية بناء الحبكة السينمائية، بدءاً من تقديم الشخصيات والصراع وصولاً إلى حل العقدة في نهاية الفيلم، مع التركيز على أهمية الفصول الثلاثة (البداية، الوسط، والنهاية) في توجيه مسار الفيلم.

لا يقتصر الكتاب على تحليل الجوانب الفنية فحسب، بل يتضمن أيضاً تأثير النظريات السينمائية المختلفة ومجموعة من المخرجين البارزين الذي ساهموا في تطور، مما يثري فهمنا للعلاقة بين النظرية والتطبيق في صناعة السينما. كما يسلط الضوء على التحديات التي يواجهها كتّاب السيناريو والمخرجون في تحويل الأفكار إلى صور متحركة، مشيراً إلى أهمية التفاعل بين الكتابة والإخراج لتحقيق عمل سينمائي متكامل.

باختصار، يقدم هذا الكتاب إطاراً معرفياً لفهم السينما، مستعرضاً أبعادها الفنية والنظرية والتقنية، مع تسليط الضوء على الفروق الجوهرية بين الفيلم التسجيلي والفيلم الروائي.

Avatar photo

قيس الزبيدي

قيس الزبيدي (1939 - 2021) ؛ مخرج سينمائي عراقي بارز وكاتب أصدر العديد من الكتب في مجال فن السينما. يُعدّ من رواد السينما التسجيلية والوثائقية في العراق والعالم العربي إضافة إلى عمله في السينما الروائية. اشتهر بأسلوبه الواقعي الصادق والتزامه العميق بالقضايا الإنسانية والوطنية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. تميزت أفلامه بتصويرها القوي للواقع، واهتمامها بالإنسان البسيط، وقدرتها على إثارة الوعي والتأثير في المشاهد. يحمل الزبيدي الجنسية العراقية والألمانية والفلسطينية.
حياته ومسيرته المهنية:
الدراسة الأكاديمية: تخرج من معهد الفيلم العالي في بابلسبرغ، ألمانيا بدبلوم في المونتاج عام 1964 ودبلوم في التصوير عام 1969. ومن ثم عمل في استديو ديفا للأفلام التسجيلية وفي المعهد العالي للسينما في ألمانيا في المونتاج والتصوير والإخراج.
البدايات في العراق: أخرج في العراق فيلم "يا ليل يا عين" عن حياة الليل في العراق، وهو ما زال طالبا في أكاديمية السينما في برلين.
العمل مع المؤسسة العامة للسينما في سوريا: بعد دراسته في ألمانيا الديمقراطية، استقر في سوريا، وعمل مع المؤسسة العامة للسينما، وشركات القطاع الخاص السينمائية، وعمل في كتابة السيناريو والمونتاج والإخراج.
مرحلة النضال الفلسطيني: في سبعينيات القرن الماضي، أخرج أو ساهم في إنجاز أكثر من عشرة أفلام وثائقية هامة توثق نضال الشعب الفلسطيني، وساهم في تأسيس الأرشيف السينمائي الوطني الفلسطيني.
الاستمرار في سوريا: بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، استقر مرة ثانية في دمشق ـ سوريا وواصل عمله في إنتاج الأفلام الوثائقية التي تناصر القضايا العادلة.
نشاطات تدريبية ودراسية: نظم الزبيدي دورات سينمائية عديدة في السيناريو والإخراج والمونتاج في تونس وفي مركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني اتحاد إذاعات الدول العربية في دمشق، وفي مركز تدريب تلفزيون المنار في معهد غوتة في دمشق، وفي الهيئة الملكية الأردنية للأفلام في عمان. بالإضافة إلى ذلك، أسس «الأرشيف السينمائي الوطني الفلسطيني» بالتعاون مع الأرشيف الاتحادي في برلين ألمانيا.
العودة إلى ألمانيا: عاد الزبيدي إلى ألمانيا في تسعينيات القرن العشرين. واستقر في برلين وتوفي فيها يوم 1 كانون الأول / ديسمبر 2024، ودفن في العراق.
الأفلام التسجيلية والوثائقية:
الكابوس ...196
الرحلة Der Ausflug، 1966
الحرية قبل كل شيء، 1968 مع المخرج كمال آغا سيدو
رحلة عبر الزمن Im Möwenflug der Jahre، 1968
"في سنوات طيران النورس"، بالألمانية 1968.
• "زائد ألوان" وهو فيلم عن لوحات ثمانية رسامين بارزين في سورية من أجيال مختلفة.
• "كابوس" عن رسام عراقي يعيش مثلي في المنفى عن رسوم كولاج لناقد ألماني معروف
• "الوان" عن الفنان العراقي جبر علوان.
يا ليل يا عين، (1967)
بعيداً عن الوطن (1969) – يتناول معاناة الفلسطينيين في الشتات.
السكين (1972) – مستوحى أيضاً من أعمال كنفاني، يناقش النضال الفلسطيني.
شهادة الأطفال الفلسطينيين في زمن الحرب (1972) – يركز على معاناة الأطفال الفلسطينيين.
وجه آخر للحب (1973) – يتناول موضوعات إنسانية من زاوية تسجيلية.
المغامرة (1974) – تجربة تسجيلية مختلفة.
• "حصار مضاد"، عام 1978
وطن الأسلاك الشائكة (1980)
واهب الحرية (1989) – يتناول نضالات الشعوب من أجل الحرية.
الليل (1992) – من الأفلام الوثائقية التي مزجت بين الواقع والتجريب.
ناجي العلي: فنان الشعب، (1999)
وطن الأسلاك الشائكة (1980) – يتناول ظروف الفلسطينيين تحت الاحتلال.
فلسطين سجل شعب (1985) – أرّخ فيه القضية الفلسطينية من خلال الوثائق والأرشيفات.
غريب في وطنه، (2005)
من أسكت الصافرة، (2010)

الأفلام الروائية القصيرة:
• "الرأس" (1976): مقتبس عن قصة للكاتب العراقي فؤاد التكرلي، وحاز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان دمشق السينمائي الدولي،
• "الزيارة" (1970)،
• "القربان" (1983).

الأفلام الروائية الطويلة:
• "اليازرلي" (1974): عن قصة "على الأكياس" للكاتب السوري حنا مينا.

كما قام بمونتاج أفلام عربية معروفة منها:
1. "إلى الأمام أيها الزمن" للمخرج كارل غاس (فيلم ألماني)
2. "إكليل الشوك" للمخرج نبيل المالح،
3. "وجه آخر للحب"، للمخرج محمد شاهين،
4. "رجال تحت الشمس" للمخرج محمد شاهين،
5. "الحياة اليومية في قرية سورية" للمخرج الراحل عمر أميرلاي،
6. "بيروت يا بيروت" لمارون بغدادي،
7. "يوم الأرض" لغالب شعث،
8. "عائد إلى حيفا" لقاسم حول ،
9. "الليل" لمحمد ملص،
10. مقلب من المكسيك (1972).

كتب أو شارك في كتابة سيناريوهات الأفلام التالية:
رجال تحت الشمس (1970) – مستوحى من رواية غسان كنفاني، يتناول محنة اللاجئين الفلسطينيين .
المغامرة، بالاشتراك مع محمد شاهين ـ قيس الزبيدي عن مسرحية (مغامرة رأس المملوك جابر) لسعد الله ونوس.
العبد، بالاشتراك مع بشير صافية
مقلب من المكسيك (1972) – فيلم روائي سوري، مأخوذ عن المسرحية الساخرة "البيت في مونتفيديو" للكاتب الألماني كورت غوتز.

سمات أسلوبه الفني:
الواقعية الصارخة: كان الزبيدي يحرص على تصوير الواقع كما هو، دون تزييف أو تجميل، مما جعل أفلامه قريبة من المشاهد ومؤثرة فيه.
الالتزام بالقضايا الإنسانية والوطنية: كانت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية في أعماله، بالإضافة إلى اهتمامه بقضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ومقاومة الظلم والاستعمار.
التركيز على الإنسان البسيط: كان الزبيدي يولي اهتماماً خاصاً بحياة البسطاء ومعاناتهم وتطلعاتهم، ويجعلهم أبطال أفلامه.
جماليات الصورة والصوت: تميزت أفلام الزبيدي بالتصوير السينمائي الجميل والمعبر، واستخدام الموسيقى التصويرية المؤثرة التي تخدم المضمون الدرامي للأفلام.

الجوائز والتكريمات:
نال قيس الزبيدي العديد من الجوائز والتكريمات تقديراً لمسيرته الفنية وإسهاماته السينمائية، منها:
جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان دمشق السينمائي الدولي عن فيلم "الرأس" (1976).
جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن فيلم "ناجي العلي: فنان الشعب" (1999).
تكريم من مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة (2007).
تكريمات عديدة من مهرجانات ومؤسسات سينمائية عربية ودولية.
• أجرت إدارة مهرجان دبي السينمائي استفتاء عن أهم مئة فيلم في تاريخ السينما العربية فتم اختيار اثنين من أفلام قيس الزبيديوهما فيلمه الروائي الطويل "اليازرلي" وفيلمه الوثائقي الطويل "فلسطين سجل شعب". ضمن هذه القائمة.

مؤلفاته:
1. "بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني: نحو درامية جديدة" (دمشق: دار قدمس للنشر، 2001)،
2. "درامية التغيير: برتولت بريشت" (دمشق: دار كنعان، 2004)،
3. "المرئي والمسموع في السينما" (دمشق: المؤسسة العامة للسينما، الفن السابع (112)، 2006)،
4. "فلسطين في السينما" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2006)،
5. "فلسطين في السينما 2" (رام الله، معهد الدراسات الفلسطينية ، 2019).
6. "الوسيط الأدبي في السينما" (أبو ظبي: مهرجان: أفلام من الإمارات، 2007)،
7. "مونوغرافيات في نظرية وتاريخ صورة الفيلم" (دمشق: المؤسسة العامة للسينما، الفن السابع (177)، 2010)،
8. "في الثقافة السينمائية – مونوغرافيات" (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، آفاق سينمائية (75)، 2013)،
9. "العين الثالثة ـ نبيل المالح - شغف الإبداع السينمائي" ـ طبعة ثانية (عمّان، خطوط وظلا ل للنشر والتوزيع‎) 2021
10. "الفيلم التسجيلي: واقعية بلا ضفاف" (رام الله، فلسطين: وزارة الثقافة الفلسطينية، 2017)،
11. "دراسات في بنية الوسيط السينمائي" (الشارقة، دائرة الثقافة) . 2018
12. في البدء كانت الكلمة ـ السيناريو، أحدث طبعة (أونتاريو ـ محترف أوكسجين) 2024،
13. الفيلم التسجيلي والفيلم الروائي: دراسات في البنية" (بغداد، دار المدى) 2023 ،0
14. المرئي والمسموع في السينما، منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما 112) 2006.

صدر عنه:
1. "عاشق فلسطين"، محسن ويفي، (القاهرة، وزارة الثقافة) 1995،
2. "قيس الزبيدي ـــــ الحياة قصاصات على الجدار" ، محمد ملص، (بيروت ـ هاشيت أنطوان) 2019

مكانته وإرثه:
يُعدّ قيس الزبيدي واحداً من أهم المخرجين السينمائيين العراقيين والعرب، وقد ترك بصمة واضحة في تاريخ السينما التسجيلية والوثائقية العربية. أفلامه تُعتبر وثائق فنية وتاريخية هامة، تسجل الواقع العربي وتُعبّر عن هموم الإنسان وتطلعاته. ألهم الزبيدي العديد من المخرجين الشباب في العراق والعالم العربي، الذين يسعون إلى تقديم سينما ملتزمة بقضايا الإنسان والمجتمع.