


تُعدّ رواية “سوناتا الغراب” للكاتبة العراقية فيحاء السامرائي نصًّا أدبيًّا تجريبيًّا، حيث تدمج الكاتبة بين الذاتية والواقعية لتعكس أزمات الهوية والاغتراب في عالم عراقي متأزم. الرواية، المنشورة في 2022، تُستخدم بنية سردية غير خطية موزعة على “قُوارير”، يقود هذه البنية غير الخطية بنية سردية حكائية بطلها المترجم العراقي الذي تتعاون الشرطة معه في الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنكليزية، ويجد نفسه منغمسا وطرفا في وقائع قد تكون جريمة قتل محتملة، وتفاصيل حياة شخصيات يكتشفها ويتعرف عليها خلال العمل على هذه القضية ووقائعها.
تحمل القوارير أوراقًا متفرقة تروي حكايات شخصيات مأزومة، مما يُضفي على العمل طابعًا غرائبيا ودراميًّا. تدور أحداثها في سياق الوطن الأم وحياة التكوين الأولى لـوحيد فريد نعمان ثم المنفى والاغتراب حيث الوحدة والخيبة وغربة الروح، وحيوات أخرى تشكل النسيج الحيوي للرواية، حيث يُصوَّر الإنسان العراقي كضحية للصراعات السياسية والاجتماعية التي تركت آثارًا عميقة في الوعي الفردي والجمعي.
يشكل القمع والعنف الجسدي الذي مارسه الأب ضد وحيد سببا رئيسيا في بناء شخصيته، وقد يكون هذا العنف قد أثر على جهازه العصبي وأصبح سببا فيما اكتسبه وحيد من صفات مثل التأتأة وعدم التركيز وتوهم الحوارات الثنائية المتعارضة مع توأمه الذي وُلد ميتاً، والتأثير الطاغي للبعض على مسيرة حياته.
تركز فيحاء السامرائي في الرواية على صراع الإنسان مع ذاته ومع الواقع، عبر شخصيات تُقدَّم كرموز وجودية، مثل شخصية الرواية الرئيسية وحيد الذي يعيش حالة من التيه بين الماضي والحاضر، وشخصيات أخرى؛ الجارة، آلاء، مونيكا، محمود الطافح، لفتة مكي والشخصية الأكثر حضورا والأكثر غموضا في موته نبيل بهنام توما.
تظهر الرمزية بقوة في استخدام “الغراب” كرمز، وفي تقسيم النص إلى قُوارير تعكس تشتت الذات. الأسلوب الأدبي يجمع بين الشعرية والسرد، مع استخدام صور مجازية عميقة.
السياق الاجتماعي والسياق السياسي يظهران بوضوح في جميع الأحداث، حيث تُشير الرواية إلى تأثيرات المنظومات القمعية؛ العائلة، المجتمع، سلطة الدولة وعالم الغربة، مما يجعلها جزءًا من خطاب النقد الثقافي الذي يربط النص بالأحداث التاريخية. رغم غموض بعض الوقائع أو بطء إيقاعها، تنجح الرواية في تقديم رؤية أدبية عميقة عن الإنسان والحياة، مما يجعلها إضافة مهمة للأدب العربي الحديث. ربما نجد في رواية “سوناتا الغراب” انعكاسًا لتجارب شخصيات عاصرتها الكاتبة، مع إعادة تكوين كاملة لها، لتدمج بين حياة تلك الشخصيات وواقعية الأحداث المركبة لخلق نصٍّ يعكس الألم الإنساني والبحث اليائس عن الخلاص.










