


يُقدِّم المؤلف في مذكراته نظرةً ثاقبةً إلى حياته، مُقسِّماً إياها إلى جزأين مُختلفين في أسلوب الكتابة والتحديات. يُشير إلى أن الجزء الأول أنهى كتابته خلال عشرة أشهر من عام 1991، ليصل إلى 460 صفحة، تناولت ذكريات طفولته حتى عام 1984، وهو العام الذي قرر فيه الانفصال عن الحزب الشيوعي. أما الجزء الثاني فكانت رحلته معه أكثر تعقيداً، حيث واجه صعوبات كبيرة استمرت لثلاث سنوات دون أن يتمكّن من إكماله، ويرجع ذلك إلى معاناته من أمراض مرتبطة بمتاعب الشيخوخة خلال الست سنوات الأخيرة من حياته.
يُعلن المؤلف عن قراره بنشر ما أنجزه من الكتاب رغم عدم اكتماله، مُبرِّراً ذلك برغبته في أن يُقرأ العمل أثناء حياته، مع اعتقاده أن النص رغم نقصه قد يُثري الحوار الثقافي. ويؤكد مجدداً على التزامه بالصدق في وصف الوقائع، كما فعل في مقدمة الجزء الأول، مُعترفاً بأن ذاكرته قد تخونه في بعض التفاصيل. كما يُشير إلى أنه لم يكتفِ بسرد الأحداث، بل تحلل منها وحاول استنتاجات حولها، مع إدراج رسائل ووثائق قديمة كجزء من النص، وضمَّن ملاحق يُعتبرها مكمِّلة للمحتوى الرئيسي.
في الجزء الثاني، كما في الأول، يتناول المؤلف شخصيات عديدة، يُقدِّر بعضها ويقدح في أخرى، مُعترفاً بأن ذلك قد يُثير غضب البعض أو يُسبب لهم إزعاجاً. لكنه يؤكد أن تجنب ذلك كان مستحيلاً إذا ما التزم بالصدق، خاصة بعد أن صَبَغَت حياته السياسية والحزبية ستين عاماً من نشاط متواصل. ويتساءل بشكل ساخر عن غرابة أن تُنشر مذكرات دون اعتراض أحد، مؤكداً أن الرضا العام من المستحيلات. ويُؤكد أن انتقاداته أو مديحه لم تكن منطلقة من عداء شخصي، بل كانت وفقاً لرؤيته الموضوعية، دون تحيز لطرف على حساب آخر.
ويُنتقد المؤلف في النص الكثرة من المذكرات الحديثة التي لا تتعدى كونها سجلات لتفاصيل يومية مثل الاجتماعات أو التنقلات، دون أن تضيف قيمةً ثقافية أو تنقل تجارب جيلٍ قديم إلى جيلٍ جديد. ويُعبِّر عن اعتقاده بأن من الأفضل ألا يُكتب أحد المذكرات إذا كان الكاتب لا يملك رؤيةً واضحة أو أفكاراً مُنظمة، أو اعتمد على آخرين في صياغتها، مما يجعلها مجرد وثيقة عديمة الفائدة.
يختتم المؤلف رسالته برسالة إلى القراء والكتاب، مُذكِّراً بأن المذكرات الحقيقية يجب أن تكون صادقةً وجريئةً، حتى لو جرَّ ذلك معارضةً، شرط أن تكون مبنية على أمانة الذكريات وشجاعة التعبير عن الرأي.