بطاقة الكتاب:

الكاتب: سلام إبراهيم
الكتاب: الحياة لحظة
النوع: رواية
القياس: 15سم * 22.5سم
الصفحات: 515 صفحة

في رواية “الحياة لحظة” لـسلام إبراهيم، يتشكل نسيج سردي معقد يعيد تخيّل وجع الإنسان العراقي المُمزَّق بين مخالب التاريخ والسياسات المتبدلة والمنفى القاتل. الرواية، التي تبدأ بلافتة ابن الديوانية المصور الزنجي “شاكر ميم” كمقدمة رمزية لنبوءة مأساوية، تغوص في أعماق ذاكرة يساري عراقي وانهيار أحلامه، عبر سردٍ يتنقل بين العامية والفصحى بسلاسة تخلو من التكلف، مُصاغاً بلغةٍ تحمل طابع الحكاية الشفهية لكنها محملة بثقل التجربة الذاتية والجماعية. البطل إبراهيم، ذا الجسد الفارع والرأس الكبير، يحمل على كتفيه ثقل الماضي وعبء أحداث حياته التالية، مُتخذاً من موسكو في الثمانينيات مسرحاً لاغترابه، تلك المدينة التي ترمز إلى احتضار الاشتراكية، حيث تتحول شقته إلى ملجأ للبيشمركة المنهكين، يتدفق فيها الفودكا ويتصاعد النقاش العقيم حول الثورة، بينما تطفو أسرار وأحقاد تكشف عن خيبات لا تُقال.

النص يتجاوز الواقعية المبسطة ليحرث في جلدها عبر دمجٍ دقيق بين المستوى الواقعي اجتماعيا وسياسيا، حيث تصبح تفاصيل الحياة اليومية للمنفيين في موسكو مرآة تعكس صراعات الجسد والعقل مع فقدان الوطن والأحبة. هنا، تظهر مهارة سلام إبراهيم في توظيف “التنويع الفني” لتضمين السرد بُعداً رمزياً، كمشهد الزوجة والأطفال المُغادرين نحو المجهول، الذي يظل يطرق باقي النص بهاجس الغياب، أو كالمتشردة الروسية التي تدق الباب المغلق، مُجسدةً رمزاً للاستبعاد والانغلاق.

في موازاة ذلك، تنسج السياسة نفسها في عروق النص كدّمٍ لا يُرى، عبر ذكر الجناح السياسي للحزب الشيوعي العراقي، وجبال كردستان، والمنفى بين دمشق وبيروت وإيران، لتُشكّل شبكةً من التداخلات تُحوِّل الرواية إلى شهادة توثيقية عن جيلٍ ضائع، دون أن تفقد زخمها الأدبي أو تقع في فخ الخطاب المباشر.

الشخصيات في الرواية، من الشاعر شيركو إلى أسعد “الصعلوك” و”قاسم” و”جلال” إلى “صالح” من فلسطينيي 48، أوالمتشردة الروسية التي تدق الباب المغلق، مُجسدةً رمزاً للاستبعاد والانغلاق، والعديد من الشخصيات الأخرى، تُرسَم بعمقٍ إنساني يُظهر هشاشتها وضعفها، حتى النساء اللواتي يحصدن الكثير من تفاصيل الراوي، يُقدَّمن ككائناتٍ تتحدى الصورة النمطية، حيث يصبح الجنس حاجة إنسانية غريزية وفعلاً للتحرر من الكبت والسلطة، والخمرة وسيلةً للهروب من وجع الاغتراب.

تطفو الكثير من الأسئلة الأخلاقية حول عالم السياسة، بعنف في حوارات موسكو: هل يختلف تعذيب الثوار للأبرياء عن جرائم النظام السابق؟ هنا، تكشف الرواية عن تحول الضحية إلى قاتل، وتُعرّي زيف المبادئ التي اُدعِي الدفاع عنها، عبر مشاهدٍ تجمع بين الصدمة والصدقية، كأن يصف الراوي كيف تُستخدم التعذيب كممارسة يومية تحت مبرر “الضرورة الثورية”.

يروي النص، كذلك، السيرة الذاتية الجنسية لـ”إبراهيم” منذ طفولته وحكايته مع الأختين الذاهبتين للزيارة الدينية مع أمه، وحينها يدخل عالما جديدا من الغموض والنشوة السرية، تمتد هذه السيرة الذاتية إلى مراحل حياته الأخرى، ولا يستخدم الكاتب صيغة تورية للفعل الجنسي، فغالبا ما يتناول العلاقة الجنسية وما ينتج عنها من إحساس بالنشوة، وما يسبقها من شبق بوضوح، ويسمي كل الأشياء باسمائها، والرواية هنا تحمل وجها إيروتكيا وروحا تضج بإيقاع الدروشة وطلب المدد في لحظات تصاعد الرغبة والإثارة الجنسيتين، في ثنايا نصوصها الإيروتيكية. 

يتدفق السرد بانسيابية، حيث تتراكم اللحظات كقطرات ماء قبل الانهيار، لنصل الخاتمة المريرة، التي تُعيد البطل ورفيقه إلى العراق ليُقتلوا على أيدي القاعدة في الفلوجة.

يتحطّم الحلم، ويُسلط الضوء على وجعٍ متراكم: وجع السجون والخيانة، ووجع المنفى وضياع الأحبة، ووجع اكتشاف زيف “الجنة” الاشتراكية.

سلام إبراهيم، بلغةٍ سرديةٍ لا تتوانى عن مواجهة القبح والجمال، يقدّم روايةً تُدوِّن الوعي الاجتماعي والوجودي والسياسي ولحظات حاسمةً من تاريخ شخصياتها العراقية، حيث يتحول الألم إلى أدبٍ، والخيبة إلى شهادة.

الناشر

Avatar photo

سلام إبراهيم

سلام إبراهيم، روائي عراقي، ولد في 8 كانون الثاني / ديسمبر 1954، في مدينة الديوانية ـ العراق. يقيم حاليا في كوبنهاغن ـ الدانمارك منذ العام 1992، متزوج ولديه ولدان وبنت.
بدأ سلام إبراهيم مساره الحيوي مبكراً في نشاطات سياسية وأدبية، عايش خلالها تحولات العراق الحديث القاسية. تعرض للاعتقال والتعذيب النفسي والجسدي أكثر من أربع مرات بين عامَي 1970 و1980، بسبب مواقفه المعارضة لنظام الحكم آنذاك.
في سياق الحرب العراقية - الإيرانية، تم تجنيده كجندي احتياط إلى جبهات القتال الجنوبية، لكنه اختار الانشقاق والانضمام إلى صفوف أنصار الحزب الشيوعي العراقي في آب / أغسطس 1982. بعد تسلله إلى المدن وعيش حياة مختبئة بين شباط 1983 وتشرين الأول 1983، عاد قسراً إلى وحدته العسكرية، ليُرسل إلى جبهات القتال في البصرة حتى شباط 1985.
واصل مواجهته مع النظام بانضمامه مجدداً إلى الثوار في كردستان، مصطحباً زوجته معه، لكنه اضطر إلى ترك ابنه البكر وراءه. تعرض لجريمة إنسانية جديدة خلال القصف الكيميائي الذي استهدف مقرات المقاومة في "زِيوة" قرب العمادية في 5 يونيو 1987، ما أدّى إلى إعاقة رئتيه بنسبة 60%.
في حملة "الأنفال" عام 1988، نزح مع آلاف الكرد إلى تركيا ثم إيران، حيث عاش في مخيمات اللجوء حتى عام 1992، حين استقر أخيراً في الدنمارك، حيث يقيم حتى اليوم.
المسار الأدبي:
بدأ سلام إبراهيم كتابة القصة القصيرة أوائل سبعينيات القرن الماضي، ونُشرت أولى قصصه في صحيفة "التآخي" العراقية (كانون الأول 1975). طوال مسيرته، كتب أكثر من خمسين قصة قصيرة، وتوزّع إنتاجه الأدبي بين القصة القصيرة والرواية والنقد، مع مساهمات في صحف ومجلات عربية دولية مثل "الثقافة الجديدة"، "القدس العربي"، "الحياة"، "السفير"، "الاغتراب الأدبي"، وصحف المعارضة العراقية.
صدر له:
1 - رؤيا اليقين (قصص)، الطبعة الأولى 1994 دار الكنوز الأدبية بيروت ـ لبنان.
2 - رؤيا الغائب (رواية)، الطبعة الأولى 1996، دار المدى دمشق ـ سوريا.
3 - سرير الرمل (قصص)، الطبعة الأولى 2000، دار حوران دمشق ـ سوريا.
4 - الإرسي (رواية)، الطبعة الأولى 2008، دار الدار القاهرة ـ مصر، الطبعة الثانية 2022، مؤسسة أبجد ـ العراق.
5 - الحياة لحظة (رواية)، الطبعة الأولى 2010، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة ـ مصر
6 - في باطن الجحيم (رواية)، الطبعة الأولى 2013، وزارة الثقافة، بغداد ـ العراق، الترجمة الإنكليزية 2014 دار صافي، الولايات المتحدة الأمريكية.
7 - حياة ثقيلة (رواية)، الطبعة الأولى 2015 دار الأدهم القاهرة ـ مصر، الطبعة الثانية 2022، مؤسسة أبجد، العراق.
8 - إعدام رسام (رواية)، 2016 دار الأدهم. القاهرة ـ مصر.
9 - طفلان ضائعان (قصص)، الطبعة الأولى 2019 دار الدراويش بلغاريا، الطبعة الثانية 2023، دار الدراويش بلغاريا.
10 - كل شيء ضدي (رواية)، 2021 دار الدراويش بلغاريا.
11 ـ قبلة الصباح (قصص)، 2022، دار الدراويش بلغاريا.
12 - دونت سبيك أسطب (رواية) 2023، مؤسسة أبجد العراق.