من يسمل عين الحرب؟

بطاقة الكتاب:

الكاتب: فرات المحسن
الكتاب: من يسمل عين الحرب؟
النوع: قصص قصيرة
القياس: 15سم * 22.5سم
الصفحات: 310 صفحة

في مجموعة “من يسمل عين الحرب؟” يريد القاص فرات المحسن للحرب أن تكون عمياء، أن لا ترى الجنود فتفترسهم وتمضغ حياتهم وآمالهم ومستقبلهم وتُحيلهم إلى أوصال وشظايا. الصورة مضنية وأليمة، صورة الحرب التي كانت ومازالت تطلّ علينا وتقرأ على وجوهنا ما حفرته منذ سنوات طويلة امتدت لأجيال. هذا بالنسبة لمن كان يراها ويسمع تفاصيلها وجنونها المنفلت عن بعد، موصولة بأخبارها وأحداثها وبياناتها كلّ يوم وساعة.

إذن ما أشقى من يرى الحرب، وما أشقى من تراه الحرب. لذلك كانت الزفرة التي أطلقها القاص المحسن محمّلةً بالسؤال: مَن يسمل عين الحرب؟

سؤال المحسن تحول حينها إلى دعاء حار يصعد إلى السماء آلاف المرّات كلّ ساعة: اللهم أعمِ العيون عن فلذات القلوب؟

ومرّة أخرى يسأل ذات السؤال الذي حيّر العراقيين والعالم: لِمَ بدأت الحرب وعلام انتهت؟

لعل عَمى الحرب هو بداية تخبطها ثم جنونها، ليأتي عمى البصيرة بعد ذلك لينتشر في كلّ مفاصلها وعقول من أشعلها ومن كان يُدير نشاطها داخل أو خارج أتونها، ماكينةً ولغةً وأدبًا، لم نشهد في تاريخ الحروب نظيرًا لهذا النشاط الدموي في وحشيته وصفاقته وكذبه وابتزازه، الأمر الذي كان يحثّ مشعليها ويدفعهم لإيصالها إلى حدائق البيوت الصغيرة وساحات المدارس وصروح المدن وعقول الأطفال ومهودهم. وهذا ما حصل بالأمس ويحصل اليوم بالفعل.

أحداث الحرب التقليدية التي اندلعت بين العراق وإيران وسنواتها الثمان، بتفاصيلها الدموية وبياناتها الزاعقة المهددة، بأناشيدها المرعبة، بقصائدها المخنثة وغزلها الذكوري المضاد للطبيعة، وبمُشعلها وقادتها ورجالها وعسكرييها الكبار، بجبهاتها وأماكن اشتداد أوارها، في الفاو، سربيل زهاب، جزر مجنون، نهر جاسم وغيرها، وبقتلاها وجرحاها وأسراها والمفقودين، لا تحتاج إلى ما ينشط ذكراها، فهي محفورة في ذاكرة كلّ عراقي، وستُروى قصصها وحكاياتها لمئات من السنين القادمة، كما تُروى سِيَّر الحروب والمجاعات والثورات والكوارث السابقة، كما تُروى الجرائم التاريخية وتتحول فيما بعد إلى بطولات. رغم ذلك يعود فرات المحسن ليقلّب بعصاه ذلك الجمر النائم تحت رماد أكثر من كارثة أصابتنا بعد تلك الحرب، لنعود ونمسك بجراح وحرائق كناّ اكتوينا بها حينذاك، وكأنها تعود اليوم من جديد، ليحول دون أن تتحوّل هذه الجريمة الشاملة إلى بطولة خارقة اجترحها قادة مزيّفون وكذابو زفّة حقيقيون.

الناجون من الحرب في قصص أخرى، فلا يأخذون معهم إلى مدنهم وبيوتهم أو بلد أسرهم أو بلاد منفاهم إلا الحرب جرحًا أو عطبًا أو عاهة نفسيه مستديمة. لكن وفي الحالتين فأن المصير المشترك لهؤلاء الأبطال المنكسرين هو الموت قتلاً أو ثأرًا أو انتحارًا. ولا مجال هنا من التخفيف من لغة القراءة لمجموعة فرات المحسن أو تلطيفها، لأنه لم يترك للقارئ أو الناقد منفذًا للترويح والتملص من الدكنة التي تغلّف قصصه، ولا فسحة يبحث فيها عن ترف ما، فلا ترف في إحدى عشرة قصة تضمها دفّتا المجموعة.

كلّ قصص مجموعة (من يسمل عين الحرب) تتأرجح بين طرفي قوس بندول، محكومة بخطّ واحد رواحًا ومجيئًا بين الحرب والحياة في المدينة، بين الحرب والأسر، بين الحرب والمنفى، بين الحرب والعار، بين الحرب والمصحّة النفسية، وفي قصة واحدة (العودة إلى الوادي المقدّس) يتحرك البندول فيها بين الحرب والحرب، لأنها تقص حياة جندي وُلد وعاش وقاتل في مدينته الفاو.

ليس الطريق بين طرفي القوس فاتنًا وممتعًا لا بالنسبة للقاص وأبطاله ولا للمتلقّي الباحث عن متعة أو معرفة، فالحرب قد عرّفت بنفسها قبل أن يعرّفنا بها قالِب الجمر فرات المحسن. أما المتعة فهي خادعة مخاتلة، وسيكتشف القارئ هذه الحقيقة في بداية طريقه إليها. الحرب وتفاصيلها والحوار الفكري الذي يعيش داخل كلّ شخصيات المجموعة هي الحقيقة الساطعة، أما المدينة فهي حلم داكن غير واضح الملامح يتحول فيما بعد إلى كابوس مريع لا يقل عن كابوس الحرب نفسها.

ثمة غنى وتنوع كبيران في شخصيات قصص هذه المجموعة التي تحمل سمات متنوعة أيضًا. بينها البريء والمُدان ومن هو غير مسئول عما حدّت له وتغيّر فيه، وبينها البسيط والعقدي، والمعطوب والمريض بدرجات متباينة، لكن ما يجمعهم إنهم مرضى دون استثناء وأن مصيرهم هو موت مفجع لم يخططوا له ولم يكونوا مسئولين عنه.

أما البيئة التي نشط فيها هؤلاء الضحايا فهي شاسعة ومتنوعة أيضًا في تضاريسها ومناخاتها وطبائعها، في فقرها وغناها، في دروبها ومسالكها، لكن ما يجمعها، أنها جحيم حقيقي وكابوس طويل متواصل.

نجح القاص فرات المحسن في رسم بيئة وشخصيات مجموعته ظاهرًا وباطنًا بكل صبر ودقة وأناة. وكلّ حالة منها رسمها على حدّة وبصورة مستقلة وبملامح وشروط تختلف كلّ حالة منها عن سواها تمامًا. لكنها تتوحد جميعًا في خضوعها لحالة الحرب وظروفها وتطوراتها، وفي هدفها الذي يصبّ في رفض الحروب بعناد ولعنها واعتبارها عارًا حقيقيًا لابد من غسله ومحو آثاره، ودون ادخار أي جهد من أجل ذلك.

جاسم الولائي

Avatar photo

فرات المحسن

• مكان وتاريخ الميلاد: قلعة سكر / محافظة ذي قار، عام 1949.
• حاصل على بكالوريوس في آداب اللغة الروسية من كلية الآداب - جامعة بغداد (1975-1976).
• غادر العراق نتيجة للقمع السياسي ويعيش الآن في السويد ويحمل الجنسيتين العراقية والسويدية.
المسيرة الأدبية والصحفية:
• بدأ النشر الأدبي عام 1975 بنشر قصة قصيرة في جريدة "طريق الشعب".
• تأثر مساره بظروف سياسية صعبة أواخر السبعينيات، أدت إلى توقف مؤقت وفقدان بعض المخطوطات.
• استأنف نشاطه الأدبي والصحفي بعد الاستقرار في السويد، موزعًا بين الهم السياسي والأدبي.
• مارس الصحافة ككاتب للمقال السياسي في:
ـ مجلات منظمات المجتمع المدني العراقية في السويد.
ـ صحف المعارضة العراقية والمواقع الإلكترونية.
ـ الصحف العراقية والعربية لاحقًا.
• حافظ على كتابة القصة القصيرة كـ"سلوى ومتنفس" رئيسي.
• يواصل الكتابة والنشر في المجالين السياسي والأدبي في الصحف والمجلات العراقية والعربية والمواقع الإلكترونية.
الإصدارات:
1. فيما تبقى، مجموعة قصصية، 2010.
2. كارل ماركس في العراق (رواية) (تخيل نقد ماركس للواقع العراقي المعاصر) 2017.
3. من يسمل عين الحرب، إعادة إصدار المجموعة القصصية "فيما تبقى" منقحة وموسعة، 2017
4. هارب من الإعدام، تحرير وتقديم مذكرات الدكتور خليل عبد العزيز السياسية 2018.
5. بوسترات (المجموعة القصصية) 2021. إصدار دار نشر اوروك ميديا للإعلام والنشر ــ ستوكهولم ــ السويد.
6. الإبهار في النص الغنائي (سيرة وأعمال الشاعر زهير الدجيلي)، 2022.
7. هناك لي أهل في البعيد (عراقو)" (مزيج من الاجتماعي، التاريخي، والخيالي، مستوحاة من قصة أهل عراقو في أفريقيا)، 2023.