لعبة الأقنعة

بطاقة الكتاب:

الكاتب: لؤي عبد الإله
الكتاب: لعبة الأقنعة
النوع: قصص قصيرة
القياس: 15سم * 22.5سم
الصفحات: 130 صفحة

في مجموعته القصصية”لعبة الأقنعة“، ينسج لؤي عبد الإله عالماً تتحول فيه الأقنعة التي يرتديها البشر لمواجهة الحياة إلى نوع من السجون أو الجدران الفاصلة غير المرئية. تشكل المجموعة، عبر عشر قصص متنوعة في حبكتها وموضوعاتها، لوحة متنوعة لصراع الإنسان مع ذاته ومجتمعه، مستخدمةً أدوات فنية تتراوح بين السرد الكلاسيكي الغني بالرمزية، وتيار الوعي الحادّ، والكوميديا السوداء القاتمة.

تبدأ القوة السردية للمجموعة من اللغة المشبعة بالمجاز؛ الكاتب لا يروي أحداثاً بقدر ما ينسج مشاعرَ عبر صورٍ حسية مكثفة: ضباب لندن في “قبضتان” يصبح مرآةً لضبابية الساعات القليلة بين الزوجين وعالم خيبة الأمل، والنخلة المحترقة في “رماد” تتحول إلى استعارة مروعة لقمع الأنوثة، والفسيلة الخضراء لنوع من احتمال الأمل، وهدير البحر في “أرض وسماء” يتردد صدىً لقلقٍ داخلي لا يهدأ. هذه اللغة لا تكتفي بالوصف، بل تغوص في الأعماق النفسية للشخصيات، وتتنوع تقنياتها حسب طبيعة كل نص: فبينما في “المُخادِع” يُعتمد على سرد طفولي ساذج يكشف الرعب الأسري تدريجياً، تستخدم “كذبة بيضاء” الراوي العليم لفضح تناقضات “أصدقاء” الشاعر المنافقين، وتلجأ “قبضتان” إلى تيار الوعي لالتقاط اللحظات الهاربة والإحساس بالذنب والانهيار.

تتنوع الشخصيات بتنوع أزماتها، لكنها تشترك في هشاشة وجودية تجعلها عالقة بين الحقيقة والتمثيل. نجد المهاجر المطحون (“مصيب” في “تاء التأنيث”) الذي يذوب في عبادة رب العمل ليخفي اغترابه، ولا يهمه ضياع الهوية في مجتمع يفرض على المهاجر ارتداء أقنعة الانصهار الثقافي، وينهار بعد ثلاثين سنة من ارتدائه قناع الاندماج، بسبب مظهره الشرقي وحمله لحقيبة، وشك أحد المارة بأنه إرهابي. والزوجة في “رماد” التي تختبئ خلف قناع الطاعة لزوج مستبد ومتعجرف، والشاعر في “كذبة بيضاء” الذي يختلق أسطورة زائفة طلباً للحب والاحترام والتقدير.

حتى شخصيات تبدو هامشية، مثل “جوديث” وأمها في “ملاذ خاص جداً” مع حيواناتهما المنبوذة، تحمل عمقاً تراجيدياً في رفضها للعالم البشري وتبنيها لعزلة مريحة. هذه الشخصيات ليست مجرد أدوات لخدمة الحبكة، بل كيانات معقدة تدفع القارئ للتساؤل: أي قناع من أقنعتنا نرتدي يومياً؟ وهل يمكن العيش بدونه؟

المنفى، بمعناه المادي والرمزي، هو النسيج الخفي الذي يربط معظم القصص. فهو ليس مجرد هجرة جغرافية من الشرق إلى الغرب (كما في “لعبة الأقنعة” و”تاء التأنيث”)، بل هو اغتراب داخلي عميق: اغتراب الفرد عن ذاته الحقيقية تحت وطأة التقاليد (“رماد”)، وعن أحلام العائلة السعيدة وصورة الأب المثالي المحطمة (“المُخادِع”)، وعن شريكه في الحياة (“قبضتان”)، وحتى عن جسده ومصيره (“السيد بروك وأولاده”).

الوطن هنا حاضر كشبح أو حلم ضائع، لكنه لا يُعرض كماضٍ مثالي، بل كجزء من أزمة الهوية التي تعصف بالشخصيات في شتاتها. العنصر الكوني – الموت، الخيانة، البحث عن الحب – يتعالى على الجغرافيا، ليجعل من أزمات الشخصيات شأناً إنسانياً خالصاً.

تطفو على السطح أجواء دستوبية وكوميديا سوداء تعكس عبثية الوجود المعاصر. في عالم “كذبة بيضاء”، يُقتل الشاعر ليُخلد كأسطورة مزيفة، في مشهد يسخر من فساد المشهد الثقافي واستغلال المأساة. أما “السيد بروك وأولاده”، فهي هجاء مرير لمجتمع يحول الموت إلى سلعة ويبيع الوهم بالخلود عبر “بوليصة تأمين على الجنازة”، حيث يصبح الحرق خياراً “اقتصادياً” لأنك “لن تحتاج إلى أرض”! هذه السخرية السوداء ليست لمجرد التهكم، بل هي أداة كاشفة لانحطاط قيم قيم متداولة تُجرد الموت من قدسيته.

تتميز غالبية القصص بـ نهايات مفتوحة ترفض الإجابات الجاهزة، وتدفع القارئ لاستكمال التأويل. هل يعيد الزوجان في “قبضتان” بناء الثقة بعد محاولة الانتحار الفاشلة؟ هل تتمرد بطلة “رماد” أخيراً على زوجها المستبد؟ هل ينجو أحمد في “أرض وسماء” من كابوس غرق صديقه مراد؟ بعد عشر سنوات من مجموعة “أحلام الفيديو” وفي قصة “قبلة الحياة” يعود إلينا الكاتب ليكشف قناعا ويوضح ما كان مختبئا من أحداث مكملة لنفس أبطال القصتين؛ أحمد، مليكة ومراد. “أرض وسماء” و”قبلة الحياة” قصة واحدة بعنوانين في مجموعتين منفصلتين. 

هذه النهايات ليست ضعفاً في الحبكة، بل تعبيراً فاعلاً عن فكرة مركزية في المجموعة: سقوط الأقنعة لا يعني بالضرورة الوصول إلى الحقيقة، بل قد يكون بداية لأسئلة أكثر إيلاماً. إنها نهايات تخلق توتراً مستمراً، يعكس تعقيد الحياة ذاتها.

أما الموضوعات المحورية فتتشابك كخيوط في نسيج واحد متراص:

  1. الأقنعة وهشاشة الهوية: الكشف عن الزيف الكامن خلف واجهات الأسرة المثالية (“المُخادِع”)، والزواج (“لعبة الأقنعة”)، والصداقة (“كذبة بيضاء”)، والاندماج الاجتماعي (“تاء التأنيث”). حتى الصدف التي تقود حياتنا لها قناعها المميت في (“النصف الآخر”)، الأقنعة هنا ليست خداعاً متعمداً فحسب، بل أحياناً ضرورة للبقاء أو الفناء في عالم قاسٍ.
  2. الموت وعبثية الوجود: الموت حاضر كمحرك رئيسي – من سر موت الأخت في “المُخادِع”، إلى تجارة الجنازات في “السيد بروك”، إلى الغرق في “أرض وسماء”، إلى موت الحيوانات في “ملاذ خاص جداً”. الموت ليس نهاية فحسب، بل مرآة تكشف عبثية الحياة وزيف السعي الإنساني.
  3. الحرية والعبودية: الصراع بين الرغبة في التحرر (“رماد”، “النصف الآخر”) وقيود المجتمع والتقاليد والذات. حتى ملاذ جوديث مع الحيوانات هو شكل من أشكال التحرر المأساوي من فشل العلاقات البشرية.
  4. الاغتراب والبحث عن الانتماء: سواء كان اغتراباً جغرافياً للمهاجر، أو نفسياً داخل العلاقات الفاشلة، أو وجودياً في مواجهة عالم لا معنى له.

لعبة الأقنعة” مرآة، أو مرايا، تكشف هويات النفس البشرية والنسيج الاجتماعي. ويقدم الكاتب سرداً مكثفاً، شاعرياً، وقاسياً في آن، لا يخاف من مواجهة السواد في الإنسان والمجتمع. لغته التي تتأرجح بين الرقة والقسوة، وشخصياته المنكسرة رغم المقاومة، وعوالمه التي تخلط الواقع بالكابوس، كلها تصب في رؤية نقدية عميقة لوضع إنساني يبدو، رغم خصوصية تفاصيله، كونياً في جوهره.

ربما يريد الكاتب أن يطرح علينا سؤالاً مقلقاً: إذا كانت الأقنعة هي ما يحمينا من السقوط، فهل نجرؤ على خلعها، حتى لو كلفنا ذلك أن نرى وجوهنا الحقيقية في المرآة؟

طالب الداوود

Avatar photo

لؤي عبد الإله

لؤي عبد الإله كاتب عراقي وُلد في 2 كانون الثاني 1949 في بغداد. قضى سنوات دراسته الابتدائية والإعدادية متنقلاً مع أسرته بين قضاء الحويجة في محافظة كركوك، ومنطقتي أبو غريب والزعفرانية الأولى الزراعيتين، وذلك بسبب تنقل والده عبدالاله أحمد محمد الذي كان يعمل موظفاً في وزارة الزراعة.
أهم هذه المحطات كانت تلك التي قضاها في الزعفرانية الأولى، على أطراف بغداد، وهي منطقة تقع على ضفاف نهر دجلة وتحيط بها من كل جانب بساتين النخل والحمضيات. وفي ثانوية جسر ديالى أنهى دراسته الثانوية، وكان الوصول إليها يتطلب ركوب الباص من وسط بغداد إلى منطقة المدائن.
وقد تشكلت له خلال سنته الإعدادية مجموعة صداقات قائمة على القراءة في مختلف المجالات، وتبادل الكتب والمقالات، وكان للأستاذ الراحل محمود الريفي دور كبير في توجيهه نحو الأدب والفلسفة خلال عامَي 1964-1965.
بعد أن أنهى دراسته الجامعية وحصوله على بكالوريوس في الرياضيات من كلية العلوم / جامعة بغداد، خدم لعامٍ واحد في الجيش، ثم عُيّن مدرساً للرياضيات في ثانوية العطيفية حتى عام 1976، حيث سافر ضمن بعثة تعليمية عراقية إلى الجزائر، وكان من المقرر أن يعود إلى العراق في عام 1980 بعد انتهاء إعارته، لكنه قرر البقاء في الجزائر والعمل بموجب عقد شخصي كمدرس للرياضيات في معهد للمعلمين بمدينة وهران.
نشر أول قصة قصيرة له في مجلة الآداب اللبنانية عام 1983 تحمل عنوان "طيور السنونو".
انتقل لؤي عبد الإله إلى لندن عام 1985، حيث عمل في عدة مجالات منها التعليم والترجمة.
ظل لؤي عبد الإله منذ وصوله إلى لندن عام 1985 يعمل في مجالَي الترجمة وتدريس الرياضيات أولاً في معاهد مسائية مختلفة، ثم بدأ قبل حوالي عشرين سنة بتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها في معهد سواس وجامعة ويستمنستر وجامعة أغا خان.
منذ أواخر الثمانينيات وحتى الآن، نُشرت له مقالات أدبية وفكرية وقصص قصيرة في عدد من الصحف العربية مثل "الحياة"، و"الشرق الأوسط"، و"العرب"، و"القدس العربي"، كما نُشرت أعماله في مجلات أدبية متعددة مثل "الآداب" اللبنانية، و"الكرمل"، و"الناقد" التي كان يصدرها رياض الريس في لندن.
صدرت له في دمشق الأعمال التالية:
• "العبور إلى الضفة الأخرى" (مجموعة قصصية)، عام 1992، عن دار الجندي.
• "أحلام الفيديو" (مجموعة قصصية)، عام 1996، عن دار الجندي.
• "رمية زهر" (مجموعة قصصية)، عام 1999، عن دار المدى.
• "خيانة الوصايا" (ترجمة)، دراسات نقدية لميلان كونديرا، عام 2000، عن دار نينوى.
• "كوميديا الحب الإلهي" (رواية)، عام 2008، عن دار المدى.
• "لعبة الأقنعة" (مجموعة قصصية)، عام 2008، عن دار دلمون الجديدة.
• "حين تغيرنا عتبات البيوت" (مقالات)، عام 2021، عن دار دلمون الجديدة.
• " جاذبية الصفر WEIGHTLESSNESS " (رواية)، عام 2023، عن دار دلمون الجديدة.

كما صدر له في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يوميات بعنوان:
• "مفكرة بغداد: يوميات العودة إلى مسقط الرأس" ، عام 2004