


تندرج رواية “كل شيء ضدي” للروائي سلام إبراهيم ضمن مسعى جريء لتجاوز ثقافة الصمت والخوف التي لطالما طبعت المشهد الأدبي العراقي، خاصة فيما يتعلق بكتابة السيرة الذاتية الصريحة. فهي تمثل تحدياً صارخاً للإحجام الذي أشار إليه النقاد مثل د. لؤي حمزة عباس، والمتمثل في خوف الكتاب داخل العراق من مواجهة الذات وكشف الحقائق تحت وطأة القمع السياسي أو سلطة التقاليد المجتمعية والدينية الصارمة. الرواية، كغيرها من النتاجات الأدبية المهمة التي كتبت في المنفى، ترفض هذه الثقافة وتغوص في الأعماق الشخصية بصراحة نادرة.
تعكس الرواية، بشكل فني معقد ومؤثر، تجربة الكاتب الذاتية الحارقة والمريرة. فهي سيرة روائية تتتبع مسار بطل/راوٍ يعاني من ويلات الحروب العراقية، الاختفاء، التعذيب في السجون، حياة الأنصار في الجبال، التشرد في مخيمات اللجوء بإيران، وصولاً إلى منفاه الطويل في كوبنهاجن. هذه المسيرة المليئة بالصدمات تترك آثاراً عميقة على نفسيته، تظهر في شكل قلق دائم، شكوك متأصلة، إدمان على الكحول، وعلاقات إنسانية متصدعة. يستخدم إبراهيم تقنية التداعي والاستذكار لربط حاضر البطل المضطرب بماضيه المثقل بالعنف والرعب، مبرزاً استمرارية الصدمة والتباس المشاعر والهوية.
في جوهرها، “كل شيء ضدي” هي رحلة مراجعة وجودية قاسية للذات. تواجه الرواية، دون مواربة، مواضيع محظورة اجتماعياً في البيئة العراقية كالجنس والعلاقات الزوجية الفاشلة والخيانة والانكسار النفسي، وتكشف عن التناقض الصارخ بين القيم الظاهرية للمجتمع والحياة السرية المشوبة بالتشوه والزيف. هذا الكشف الصادق، الذي يصل حد التفكير في القتل كتعبير عن اليأس والألم، هو بمثابة صرخة ضد القمع المزدوج: القمع السياسي وقمع التقاليد الاجتماعية البالية. تقدم الرواية، عبر هذا التشريح الجريح للنفس والمجتمع، صورة قاتمة عن “عالم متكالب” يتحول فيه “كل شيء ضد الإنسان”.
سلام إبراهيم في روايته “كل شيء ضدي” يكتب “سيرة ذاتية اجتماعية” تتناول أحد أهم المحرمات وتبتعد كثيراً عما أشارت له الكاتبة “لطفية الدليمي” بصدد الخوف بشكل عام من كتابة هذا النوع الأدبي، لخطورة ما سوف يتعرض له الكاتب، أو الكاتبة من تشويه وتسقيط اجتماعي وسياسي.
على المستوى الفني، يدمج سلام إبراهيم بين السيرة الذاتية الصادقة والبناء الروائي المتقن، محولاً تجربته الفردية إلى رمز يعكس معاناة جيل عراقي مزقته الحروب والاستبداد والمنفى. لغة الرواية القوية وصورها الدرامية المؤثرة، كما أشار النقاد مثل صباح كنجي وكاظم حسون، تجعلها عملاً تأملياً عميقاً يخترق السطح ليصل إلى الجروح الكامنة والعلاقات الإنسانية المفككة في ظل الظروف القاسية. رواية سلام إبراهيم، بهذا الصدق الفنّي والمواجهة الجريئة للذات والممنوعات المجتمعية، تُعد إضافة جوهرية لأدب السيرة الذاتية العراقي وتأكيداً عملياً على إمكانية، بل وضرورة، تجاوز ثقافة الخوف والكتمان.
الناشر










