


بطاقة الكتاب:
الكاتب: بلند الحيدري
الكتاب: خفقة الطين
النوع: شعر
القياس: 15سم * 22.5سم
الصفحات: 145 صفحة
صدر ديوان “خفقة الطين” (1946) للشاعر العراقي بلند الحيدري ليكون شرارة أولي في مسيرة الشعر العربي الحديث، ولاحقا صار يُعتبر واحداً من النصوص الرائدة التي انفجرت بوجه القصيدة العمودية وقواعد الإيقاع والقافية الصارمة والتوزيع الصارم إلى شطر وعجز في البيت الشعري التقليدي. كان الحيدري مبشرا بشعر جديد وسبق نازك الملائكة وبدر شاكر السياب بسنوات قليلة في جرأة التجريب ومن ثم جاء البياتي لاحقا.
في لحظة تاريخية حرجة أعقبت الحرب العالمية الثانية، حيث اشتدّ الصراع ضد الاستعمار وتصاعدت الأفكار القومية واليسارية، قدّم الحيدري وهو في العشرين من عمره عملاً تمردياً شكّل زلزالاً في المشهد الأدبي المحافظ في بغداد آنذاك، ليُعلن نهاية عصر التمثيل التقليدي للشعر العربي ويُمهّد لولادة قصيدة التفعيلة كمشروع حداثي. كسر الحيدري في هذا الديوان قواعد البناء الشعري التقليدية، فاستبدل نظام الشطرين بوحدة التفعيلة كأساس لإيقاع جديد ووزع البيت الشعري في بناء جديد، رغم بقاء القافية الموحّدة واستخدام البحور الشعرية المتوارثة، وقدم هذا التوزيع الجديد تجربة عملية استفاد منها جميع رواد الشعر الحر لاحقا، لكنه.
لم يكتفِ الحيدري بالتمرد الشكلي، بل حوّل القصيدة إلى مساحة لاستكشاف رؤية فلسفية عميقة تعتمل بقلق الوجود والموت والعبث. “خفقة الطين” كعنوان، يختزل هذا التوتر بين هشاشة المادة (الطين) ونبض الحياة العابر (الخفقة)، في استعارة لاهثة تشير إلى هشاشة الوجود البشري، بينما تتكرر رموز مثل “الليل”، “الوحدة”، “الموت” “المرأة”، لتُشكّل خريطة درامية لصراع الإنسان مع ذاته ومع مجتمعه ومع الكون.
تظهر اللغة في الديوان بتركيزها الجزل وتخليها عن الزخرفة البلاغية، وقدرتها على حمل إيحاءات حداثية عبر رموز تراجيدية تُعبّر عن الألم والاغتراب، سواء كان اغتراباً اجتماعياً في مجتمع مُتحفظ أو وجودياً في عالم يبدو غامضاً وعديم المعنى. الحب، مثلاً، لا يظهر كتجربة رومانسية، بل كخيبة مريرة في عالم تسوده القسوة، بينما يلمح الشاعر إلى واقعه السياسي والاجتماعي بنبرة ساخرة أو حسرة مضمرة، دون أن يغوص في المباشرة، مفضّلاً التلميح كوسيلة لنقد عصر الاحتلال والصراعات.
تناول الحيدري علاقة المرأة والرجل بصيغة تتجاوز جميع المكتوب خلال الفترة التي سبقته في عالم الأدب الجاد، وكتب عن ذلك بجرأة لم يستطع أحدا مجاراتها فقط حين ظهر نزار قباني في فترة لاحقة.
رغم الهجوم الذي واجهه الحيدري من المحافظين في بيئة بغداد الأدبية آنذاك، إلا أن “خفقة الطين” شكّل حدثاً تأسيسياً في تيار الشعر الحر، ليُصبح لاحقاً جزءاً من تيار واسع مع ديوان بدر شاكر السياب الأول “أزهار ذابلة“، وديوان نازك الملائكة الأول “عاشقة الليل” ولاحقا عبد الوهاب البياتي في ديوان “أباريق مهشمة“.
ديوان “خفقة الطين” ليس “خفقة الكائن المصنوع من الطين” بل “ثورة الإنسان” التي جسّدت جرأة الشاب الذي لم يكتفِ بالتمرد على الشكل، بل حوّل الشعر إلى فضاء لطرح أسئلة وجودية كبرى بدأها شعراء المهجر، مُمهداً الطريق لتطور مشروعه النقدي لاحقاً في كتابه “الاغتراب في الشعر العربي“.
حتى اليوم، يظل “خفقة الطين” وثيقة شعرية تشهد على ولادة الحداثة العربية، وشاهداً على كيف استطاع شاعر شاب أن يحوّل القصيدة إلى تجربة فلسفية وجمالية، مُعيداً تعريف العلاقة بين الشكل والمضمون، واللغة والوجود.
رغم تطور أدواته لاحقاً، فإن هذا الديوان يبقى جذوراً أصيلة لتجربة الحيدري، ونقطة انطلاق لفهم كيف بدأت قصيدة التفعيلة (الشعر الحر) في اختراق جدران التراث لتُعيد تشكيل المشهد الأدبي العربي.
طالب الداوود










