


تُعدّ “حياة ثقيلة” للكاتب العراقي سلام إبراهيم نصاً أدبياً يُعيد تعريف العلاقة بين الذات الفردية والواقع السياسي في الأدب العربي المعاصر، عبر بنية سردية تُناقض التوقعات التقليدية.
تستخدم الرواية هيكلاً يعتمد على التراكم العاطفي للوقائع الحياتية بدل التصعيد الدرامي، حيث يتنقّل السرد بين لحظات متداخلة من تداعي الذاكرة والواقع، مُصوِّراً حالة تيه مزمنة تعيشها الشخصية الرئيسية في ظل فقدان المعنى وصعوبة الانتماء. هذا النهج يُشكِّل انحرافاً عن النماذج الكلاسيكية، حيث يُصبح الزمن أداة للتعبير عن التفكك النفسي بدل تسلسل الأحداث.
تركز الرواية على أزمة الهوية كمصدر رئيسي للصراع، حيث يظهر البطل ككائن مُنهَك يُعيد تشكيل ذاته عبر مرايا متعددة: كشاهد على تفكك مجتمعه، وكمُتأمِّل في عمق إحساسه بالاغتراب، وكمُقاوم يُقاوم الانزلاق نحو العدم.
يتحول الماضي إلى حملٍ ثقيل يُثقل الحاضر، ويُصبح المستقبل مجهولاً يرفض التشكّل، تقود الذاكرة هاجس البحث عن شخصيات الماضي لإعادة اختراع الذات.
الأسلوب الأدبي يعتمد على الشعرية التأملية والسرد البسيط المبني بعمق والزاخر بتفاصيل الذاكرة اليومية للماضي والحاضر، حيث تُنسج الجمل ببطء درامي، وتظهر الصور المجازية العميقة كأداة للتعبير عن ابتعاد الواقع عن الذاكرة وتفاصيلها التي حملتها وعايشتها الشخصية الرئيسية.
تُستخدم اللغة بعناية فائقة لتوليد توتر بين الدقة والغموض، كما في وصف البطل لعلاقته مع المكان. حيث يتحول المكان إلى تجسيد مادي للمشاعر والحالة النفسية، متجنباً التعميمات النظرية عبر ربط التأملات بالتفاصيل الحسية، مثل وصف الروائح أو الملمس أو الأصوات كعناصر تُعيد بناء الواقع المتهدم.
السياق السياسي يظهر كخلفية مُظلِّلة للحدث، حيث تُشير الرواية إلى تأثير الأنظمة القمعية والاحتلال وعنف التشكيلات المسلحة على الفرد، لكنها تُركز على الآثار الداخلية للعنف بدل وصفه المباشر.
الكاتب يُفضِّل تصوير وقائع القمع كحالة مُستمرة، حيث يَصبح العنف جزءاً من وعي البطل اليومي، ويتحول الألم الجسدي إلى تجربة روحية تُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والوجود.
تُعتبر الرواية انعكاساً لتجربة الكاتب الشخصية، لكنها تتجاوز الذات عبر تحويلها إلى رمز عام.
لا يعتمد سلام إبراهيم على السيرة الذاتية كمصدر للقصة فحسب، بل يُعيد تشكيلها عبر عدسة أدبية تُحوِّل التجربة الفردية إلى تجربة شاملة. هذا النهج يُضفي على العمل طابعاً تأملياً يُقارب من التفكيكية ، حيث يُصبح النص مساحة لفحص العلاقة بين اللغة والهوية والواقع.
تنجح الرواية في تقديم رؤية عميقة عن الإنسان في ظل انهيار القيم. تُعيد “حياة ثقيلة” صياغة مفهوم الرواية كفضاء للاستكشاف الوجودي والتفاعل مع التحولات السياسية والاجتماعية، لكن بأسلوب يُعطي الأولوية للذات المُتألِّمة.
صدرت الرواية بطبعتين في العامين 2015 و2022.
الناشر










