


في عمق المنفى، حيث تتآكل الهوية وتتشظى الذاكرة، تولد قصةٌ جديدة عن العراق، لا ترويها السياسة ولا التاريخ الرسمي، بل تسردها أصوات المنفيين الذين يبحثون عن نقطة العودة التي لم تعد موجودة.
“جاذبية الصفر” للكاتب لؤي عبد الإله ليست مجرد رواية، إنها صوت ثقافي شجاع يعيد بناء “مفاهيم” و”حكاية” الوطن وأوجاع أبنائه في المنفى عبر رسائل مفقودة، ويختبر قدرة الأدب على حمل وزر التاريخ دون أن ينكسر؛ من خلال توثيق متكامل للأحداث التي رافقت غزو الكويت وقمة الزلزال في حرب 1991 وما يتبعها كنبوءة. هذه الوثيقة موزعة باحترافية عالية ضمن تفاصيل السرد الروائي. إنها وثيقة متكاملة، سيتمكن قارئ الرواية، في أي زمن من الأزمان، من التعرف على ما جرى حينها.
من خلال 28 رسالة (مظروف)، يُعاد تركيب الزمن بطريقة غير خطية، لتظهر ذكريات متناثرة تعكس حالة التفكك النفسي والاجتماعي، كما لو أن القارئ نفسه يعيد تجميع نفسه داخل النص.
تجمع الرواية بين أكاديميين ومثقفين وفنانين ومناضلين، كل منهم يحمل جرحاً مختلفاً من العراق، ويحاول العيش في لندن البعيدة، حيث الذكريات هي الوحيدة التي تربطهم بماضٍ ضاع، وحيث الواقع هو تفاصيل حياتهم اليومية.
يتحدث عالم رواية “جاذبية الصفر” عن أحداث معاصرة وتُستخدم الأساطير لتفسير أحداثه التي تشبه القدر، وتطرح أسئلة وجودية كبيرة: هل يمكن للإنسان أن يعود إلى نقطة البداية؟ وهل الجاذبية الحقيقية هي الوطن أم الحنين أم وقائع الحياة الشخصية باختلاف أبطالها؟
يسير أبطال الرواية نحو أقدارهم الخاصة رغم استمرار جاذبية الوطن والحنين، وبدون “جاذبية الصفر” هذه التي تبقيهم في مدار محدد، فإنهم يسيرون إلى ما يمكن تسميته الضياع أو حين يسيرون نحو مركز الجاذية فإنهم يسيرون إلى العدم.
قد يبدو زمن الرواية محصوراَ ضمن الفترة بين غزو العراق للكويت في العام 1990 والحرب الأمريكية التدميرية على العراق في العام 1991، لكنه يمتد أبعد من ذلك؛ بعمق الزمن الذي تمتد عليه حياة أبطالها.
لغة لؤي عبد الإله تتجاوز الوصف إلى التأمل إلى التناص مع الأساطير، فهي لا تسرد الأحداث فحسب، بل تُعيد تشكيل المشاعر والذكريات بأسلوب أدبي عميق، يخلط بين سرد الأحداث والتداعيات والبوح وحضور كثيف للتوثيق وحوارات ساخنة مطعمة باللهجة العامية، بين الواقعي والمجازي، بين الأحلام والإحباط…










