بقايا مجداف

بطاقة الكتاب:

الكاتب: كريم جواد
الكتاب: بقايا مجداف
النوع: شعر
القياس: 15سم * 22.5سم
الصفحات: 130 صفحة

يُشكِّل ديوان “بقايا مجداف” للشاعر كريم جواد فضاءً شعرياً مكثفاً يحفر في جراح الذات والوطن عبر لغةٍ تستند إلى التكثيف الرمزي والصور الحسية المروعة. ينتظم الديوان في ثمانين قصيدة تتراوح بين الومضات الإشراقية (“ثلج”: “الورقةُ بيضاءَ / قصيدةٌ عن الثلج”) والمراثي السردية (“كابوس”: “ألا يزال صريره بين أسنانك؛ / مجهريات تعمل بمداها الجارحة / خلف أذنيك”).

يُقدِّم “بقايا مجداف” لغةً شعريةً بسيطةً يجد الشاعر فيها وسيلة لتحويل الجراح إلى استعارات لتركيز الضوء عليها، وتتجلّى روح الديوان في تفاعلها مع ثلاثية الذات/ الجسد/ الوطن، حيث يصير الجسد سجلاً للعنف، والذاكرة مسرحاً للغياب، والوطن مشهداً للخراب، وصورٍ تجمع بين الجمال والرعب، واستعارات بين الألم والحب.

تتكئ رؤية الشاعر في قصائد ديوانه على ثلاث دوائر موضوعاتها متداخلة تجعل من الذاكرة مسرحا لتوصيف الموت:

  • صدمة الحروب والمنفى: تُعاين قصيدة “الرحلة” تهجير الجسد الجماعي عبر سردٍ مجزأ (“مكدسين في شاحنات / تدبُّ في الظلمة على أضلعنا”)، بينما يحوِّل “عواء عراقي” الغرقى إلى شواهد حية (“حفرة في الصباح / تجمد حوله الدم / لنودعه”). وتتحول الذاكرة في “1991” إلى طقسٍ جنائزي (“كانت كربلاء مقبرة تماما / وظلت كذلك طيلة المساء”)، ويُصاغ الغياب في “هنا ـ ك” كحضورٍ طيفي (“هنا أننا هناك أكثر وضوحا / هناك أنهم هناك يضلون غامضين”).
  • الجسد كسجلٍّ للعنف: يُسجل “أثر جرح غائر” الصدمة الجسدية بتفاصيلها السريرية (“وجهكِ كان مغطّىً بالدم. / الدم الذي كان يقطر / من أطراف أصابعِك”)، فيما تتحول “بقية الجسد” إلى كابوس متكرر (“يداه محنطتان على صدره / وهو مسجىً في وضعية مظليٍّ”).
  • الصورة المركبة: يجسّد “كابوس” الرمل ككائنٍ حي ينخر الجسد (“صرير الرمل الذي كنا نسمعه في حركة المفاصل / في التقاء نظرتين في الظل الحار لخيمة”)، بينما تتحول “اللجة” إلى استعارة للخيانة أو للخديعة (“يرمي لك بقارب نجاة مهشم وبلا قاع / ثم يعيدك إلى اللجة وعيناه دامعتان”).

تستند شعرية الديوان إلى تكثيف اللغة وتحويلها إلى سلاحٍ ضد النسيان، حيث يُوظَّف الاقتصاد اللغوي لتحقيق عمقٍ دلالي كبير. تظهر هذه الشعرية بوضوح في استخدام المفردة الحسية التي تُعيد إحياء الجسد والمكان بتفاصيلهما الملموسة من خلال:

  • المفردة الحِسّية: يشتغل الشاعر على تحويل اللغة إلى طقسٍ ملموس، كما في “ساندلوس” حيث تتحول المفقودة إلى حوار (“قال لي إنـها ساندلوس… / لها رائحة ممحاة وردية اللون مختلطة برائحة الأقلام الرصاص”). “مسبحة الساندلوس” التي تحتاج إلى كف لتقليب حباتها تشير بوضوح إلى الكف المقطوعة، ومداراة من خلال الجانب الآخر الذي يثيره خشب حباتها من رائحة.
  • الإيقاع والتكرار: يُولّد التكرار في “وصية” إحساساً بالعجز الوجودي (“أكتب وأمحو / صحراء نائية قرب شاحنة… / أكتب وأمحو / خطوات هاربين على الرمل”)، فيما يحاكي التقطيع في “شبكة” انكسار الذات (“مثلَ / عنكبوتٍ / يربِّتُ على كتفه / ويعيده… / إلى سريره”).

يستخدم الشاعر في الديوان أنساقاً جمالية ومفردات للتشكيل الفني عبر:

  • تجسيد الرموز: تحوّل “ماريا كالاس” المرأة إلى أيقونة متخيلة (“عشرون ملاكا حين تنظر إليَّ”)، بينما يُضفي “تمثال” صفات بشرية على الجماد (“من ذراعه يتدلى طوق النجاة بمثابة ذكرى”).
  • المشهد السينمائي: تُصوِّر “كاميرات السياح” العنف بلقطات متقطعة (“رؤوسُهم المشدودةُ إلى رقابهم / بشرائط من الدم / مثل كاميرات السياح”)، وتتحول “سينما آدمز مورغن” إلى استعارة للعزلة (“كأنني أخرج من السينما”).
  • المفارقة والكوميديا السوداء: يكشف “تلفاز” هشاشة الوجود المعاصر (“يلوح الحشد بأعلام صغيرة للرئيس / يلوح هو بحرب أخرى”)، وتعكس “نخلة عيد الميلاد” تشويه الطقوس (“استبدلت شجرة عيد الميلاد هذا العام بنخلة رسمت عليها نهرين أسودين”).

تنبثق مواضيع الديوان من صميم تجربة الشاعر الإنسانية وصياغة تفاصيل التمزق والغربة؛ حيث المنفى والحدود، الذاكرة والجرح والعلاقات الإنسانية.

في النهاية، لا يُقدّم “بقايا مجداف” مجرد تسجيلٍ للكارثة، بل يُعيد تشكيل الجراح كنصوصٍ حيّة لا تُداوى، وفيه لا يكتب الشاعر عن الموت، بل يقدم شهادةً على “زمن الدم” فحسب، وكأن قصائده مرآةٌ مكسورة تعكس كل كسرة منها شيئا من الذاكرة وارتباكات الخُطى.

ما زال الديوان بعد أكثر من عشرين عاما على صدوره يرسم صورة عن زمنٍ لم تُغلق جراحه بعد، بل تستمر في التجلّي عبر كل وقائعه وتأثيراتها المستمرة حتى الأن.

طالب الداوود

Avatar photo

كريم جواد

شاعر وصحفي ومترجم عراقي. يقيم في واشنطن DC، وأقام عدة سنوات في دمشق قبل أن يغادرها في نهاية التسعينيات.

حاصل على بكلوريوس في الأدب الإنكليزي من (University of Southern Maine) وتوقف في منتصف الطريق عن إكمال برنامج الماجستير في "الكتابة الإبداعية" في هارفارد.

ساهم كضيف على التحرير في مجلة "كيكا" للأدب العربي.
نشر ترجمات وقصصا قصيرة وحوارات في عدد من المنشورات والمواقع.

يعمل محررا في الموقع الرقمي لقناة "الحرة" في واشنطن.

صدر له:
1 - نقود الحياة (شعر) 1999، دار الجندي, دمشق - سوريا،
2 - بقايا مجداف (شعر) 2003، دار نينوى، دمشق - سوريا 2003,
ويُعد لديوان شعر جديد.

من ترجماته:
1 - نصوص لشارلز سيميك،
2 - رواية "وحدة عداء المسافات الطويلة" للكاتب البريطاني آلان سيليتو (نشرت في كيكا).