المونتاج السينمائي ـ دراسة تاريخية

يتناول كتاب “المونتاج السينمائي ـ دراسة تاريخية” مفهوم المونتاج والذي ساهم في انتقال السينما من تقنية بسيطة إلى فن مستقل، مما جعل المونتاج أحد الركائز الأساسية في بناء الفيلم الحديث. ويقدم المؤلف لتفاصيل تطور لمونتاج والاكتشافات الفنية التي قدمها رواد مثل ميليس وبورتر وغريفث وإيزنشتين، الذين أسسوا قواعد السرد البصري واختزال الزمن السينمائي.

ظهرت السينما كاختراع تقني يعتمد على مبدأ الصورة المتحركة، حيث يتم عرض سلسلة من الصور الثابتة بسرعة معينة لإحداث وهم الحركة المستمرة. تطورت السينما عبر الزمن بفعل التقنيات الجديدة التي سمحت باكتشاف أساليب تعبيرية جديدة، مثل إدخال النصوص المكتوبة والخدع البصرية التي قادت إلى سرد قصصي بصري. جورج ميليس كان رائدا في هذا المجال، حيث ابتكر أساليب لسرد القصص باستخدام الكتابة والخدع البصرية، ليصبح بذلك فنان الفيلم الروائي الأول.

في البداية، كانت السينما تقتبس تقنياتها من المسرح، حيث كانت الكاميرا ثابتة وتلتقط المشاهد كما لو أنها تعرض على خشبة مسرح. ولكن مع ظهور أفلام مثل “سرقة القطار الكبرى” لإدوين س. بورتر عام 1902، تم اكتشاف أهمية المونتاج في بناء القصة السينمائية، مما أحدث تغييرا نوعيا في السرد البصري. بدأ تقسيم المشاهد الطويلة إلى لقطات متعددة وزوايا تصوير مختلفة، مما أدى إلى تحرر السينما من التقاليد المسرحية.

مع ديفيد غريفث، تطورت السينما بشكل كبير وأصبحت فنا مستقلا. غريفث طور أساليب فنية جديدة في المونتاج واستمرارية السرد، مما أتاح اختزال الزمن الواقعي وإعادة ترتيب الأحداث لتحقيق تأثير درامي أكبر. أثّر غريفث بشكل عميق على السينما العالمية، بما في ذلك السينما السوفيتية، حيث استلهم منه صانعو الأفلام مثل إيزنشتين نظرياتهم حول المونتاج.

إيزنشتين، بدوره، اكتشف القانون الأساسي للمونتاج في بناء المشاهدة السينمائية، وأكد على أهمية التركيب المونتاجي في تعزيز الإيقاع الدرامي. وعبر الزمن، استمرت أفكار غريفث وإيزنشتين في التأثير على السينمائيين حول العالم، حيث أصبح المونتاج عنصرا أساسيا في صناعة الأفلام. يؤكد ميخائيل روم أن خصوصية الفيلم تكمن في الجمع بين العناصر المبعثرة لخلق عمل متماسك، وهو ما يبدأ من كتابة السيناريو وصولا إلى مرحلة المونتاج.

Avatar photo

قيس الزبيدي

قيس الزبيدي (1939 - 2021) ؛ مخرج سينمائي عراقي بارز وكاتب أصدر العديد من الكتب في مجال فن السينما. يُعدّ من رواد السينما التسجيلية والوثائقية في العراق والعالم العربي إضافة إلى عمله في السينما الروائية. اشتهر بأسلوبه الواقعي الصادق والتزامه العميق بالقضايا الإنسانية والوطنية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. تميزت أفلامه بتصويرها القوي للواقع، واهتمامها بالإنسان البسيط، وقدرتها على إثارة الوعي والتأثير في المشاهد. يحمل الزبيدي الجنسية العراقية والألمانية والفلسطينية.
حياته ومسيرته المهنية:
الدراسة الأكاديمية: تخرج من معهد الفيلم العالي في بابلسبرغ، ألمانيا بدبلوم في المونتاج عام 1964 ودبلوم في التصوير عام 1969. ومن ثم عمل في استديو ديفا للأفلام التسجيلية وفي المعهد العالي للسينما في ألمانيا في المونتاج والتصوير والإخراج.
البدايات في العراق: أخرج في العراق فيلم "يا ليل يا عين" عن حياة الليل في العراق، وهو ما زال طالبا في أكاديمية السينما في برلين.
العمل مع المؤسسة العامة للسينما في سوريا: بعد دراسته في ألمانيا الديمقراطية، استقر في سوريا، وعمل مع المؤسسة العامة للسينما، وشركات القطاع الخاص السينمائية، وعمل في كتابة السيناريو والمونتاج والإخراج.
مرحلة النضال الفلسطيني: في سبعينيات القرن الماضي، أخرج أو ساهم في إنجاز أكثر من عشرة أفلام وثائقية هامة توثق نضال الشعب الفلسطيني، وساهم في تأسيس الأرشيف السينمائي الوطني الفلسطيني.
الاستمرار في سوريا: بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، استقر مرة ثانية في دمشق ـ سوريا وواصل عمله في إنتاج الأفلام الوثائقية التي تناصر القضايا العادلة.
نشاطات تدريبية ودراسية: نظم الزبيدي دورات سينمائية عديدة في السيناريو والإخراج والمونتاج في تونس وفي مركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني اتحاد إذاعات الدول العربية في دمشق، وفي مركز تدريب تلفزيون المنار في معهد غوتة في دمشق، وفي الهيئة الملكية الأردنية للأفلام في عمان. بالإضافة إلى ذلك، أسس «الأرشيف السينمائي الوطني الفلسطيني» بالتعاون مع الأرشيف الاتحادي في برلين ألمانيا.
العودة إلى ألمانيا: عاد الزبيدي إلى ألمانيا في تسعينيات القرن العشرين. واستقر في برلين وتوفي فيها يوم 1 كانون الأول / ديسمبر 2024، ودفن في العراق.
الأفلام التسجيلية والوثائقية:
الكابوس ...196
الرحلة Der Ausflug، 1966
الحرية قبل كل شيء، 1968 مع المخرج كمال آغا سيدو
رحلة عبر الزمن Im Möwenflug der Jahre، 1968
"في سنوات طيران النورس"، بالألمانية 1968.
• "زائد ألوان" وهو فيلم عن لوحات ثمانية رسامين بارزين في سورية من أجيال مختلفة.
• "كابوس" عن رسام عراقي يعيش مثلي في المنفى عن رسوم كولاج لناقد ألماني معروف
• "الوان" عن الفنان العراقي جبر علوان.
يا ليل يا عين، (1967)
بعيداً عن الوطن (1969) – يتناول معاناة الفلسطينيين في الشتات.
السكين (1972) – مستوحى أيضاً من أعمال كنفاني، يناقش النضال الفلسطيني.
شهادة الأطفال الفلسطينيين في زمن الحرب (1972) – يركز على معاناة الأطفال الفلسطينيين.
وجه آخر للحب (1973) – يتناول موضوعات إنسانية من زاوية تسجيلية.
المغامرة (1974) – تجربة تسجيلية مختلفة.
• "حصار مضاد"، عام 1978
وطن الأسلاك الشائكة (1980)
واهب الحرية (1989) – يتناول نضالات الشعوب من أجل الحرية.
الليل (1992) – من الأفلام الوثائقية التي مزجت بين الواقع والتجريب.
ناجي العلي: فنان الشعب، (1999)
وطن الأسلاك الشائكة (1980) – يتناول ظروف الفلسطينيين تحت الاحتلال.
فلسطين سجل شعب (1985) – أرّخ فيه القضية الفلسطينية من خلال الوثائق والأرشيفات.
غريب في وطنه، (2005)
من أسكت الصافرة، (2010)

الأفلام الروائية القصيرة:
• "الرأس" (1976): مقتبس عن قصة للكاتب العراقي فؤاد التكرلي، وحاز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان دمشق السينمائي الدولي،
• "الزيارة" (1970)،
• "القربان" (1983).

الأفلام الروائية الطويلة:
• "اليازرلي" (1974): عن قصة "على الأكياس" للكاتب السوري حنا مينا.

كما قام بمونتاج أفلام عربية معروفة منها:
1. "إلى الأمام أيها الزمن" للمخرج كارل غاس (فيلم ألماني)
2. "إكليل الشوك" للمخرج نبيل المالح،
3. "وجه آخر للحب"، للمخرج محمد شاهين،
4. "رجال تحت الشمس" للمخرج محمد شاهين،
5. "الحياة اليومية في قرية سورية" للمخرج الراحل عمر أميرلاي،
6. "بيروت يا بيروت" لمارون بغدادي،
7. "يوم الأرض" لغالب شعث،
8. "عائد إلى حيفا" لقاسم حول ،
9. "الليل" لمحمد ملص،
10. مقلب من المكسيك (1972).

كتب أو شارك في كتابة سيناريوهات الأفلام التالية:
رجال تحت الشمس (1970) – مستوحى من رواية غسان كنفاني، يتناول محنة اللاجئين الفلسطينيين .
المغامرة، بالاشتراك مع محمد شاهين ـ قيس الزبيدي عن مسرحية (مغامرة رأس المملوك جابر) لسعد الله ونوس.
العبد، بالاشتراك مع بشير صافية
مقلب من المكسيك (1972) – فيلم روائي سوري، مأخوذ عن المسرحية الساخرة "البيت في مونتفيديو" للكاتب الألماني كورت غوتز.

سمات أسلوبه الفني:
الواقعية الصارخة: كان الزبيدي يحرص على تصوير الواقع كما هو، دون تزييف أو تجميل، مما جعل أفلامه قريبة من المشاهد ومؤثرة فيه.
الالتزام بالقضايا الإنسانية والوطنية: كانت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية في أعماله، بالإضافة إلى اهتمامه بقضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ومقاومة الظلم والاستعمار.
التركيز على الإنسان البسيط: كان الزبيدي يولي اهتماماً خاصاً بحياة البسطاء ومعاناتهم وتطلعاتهم، ويجعلهم أبطال أفلامه.
جماليات الصورة والصوت: تميزت أفلام الزبيدي بالتصوير السينمائي الجميل والمعبر، واستخدام الموسيقى التصويرية المؤثرة التي تخدم المضمون الدرامي للأفلام.

الجوائز والتكريمات:
نال قيس الزبيدي العديد من الجوائز والتكريمات تقديراً لمسيرته الفنية وإسهاماته السينمائية، منها:
جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان دمشق السينمائي الدولي عن فيلم "الرأس" (1976).
جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن فيلم "ناجي العلي: فنان الشعب" (1999).
تكريم من مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة (2007).
تكريمات عديدة من مهرجانات ومؤسسات سينمائية عربية ودولية.
• أجرت إدارة مهرجان دبي السينمائي استفتاء عن أهم مئة فيلم في تاريخ السينما العربية فتم اختيار اثنين من أفلام قيس الزبيديوهما فيلمه الروائي الطويل "اليازرلي" وفيلمه الوثائقي الطويل "فلسطين سجل شعب". ضمن هذه القائمة.

مؤلفاته:
1. "بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني: نحو درامية جديدة" (دمشق: دار قدمس للنشر، 2001)،
2. "درامية التغيير: برتولت بريشت" (دمشق: دار كنعان، 2004)،
3. "المرئي والمسموع في السينما" (دمشق: المؤسسة العامة للسينما، الفن السابع (112)، 2006)،
4. "فلسطين في السينما" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2006)،
5. "فلسطين في السينما 2" (رام الله، معهد الدراسات الفلسطينية ، 2019).
6. "الوسيط الأدبي في السينما" (أبو ظبي: مهرجان: أفلام من الإمارات، 2007)،
7. "مونوغرافيات في نظرية وتاريخ صورة الفيلم" (دمشق: المؤسسة العامة للسينما، الفن السابع (177)، 2010)،
8. "في الثقافة السينمائية – مونوغرافيات" (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، آفاق سينمائية (75)، 2013)،
9. "العين الثالثة ـ نبيل المالح - شغف الإبداع السينمائي" ـ طبعة ثانية (عمّان، خطوط وظلا ل للنشر والتوزيع‎) 2021
10. "الفيلم التسجيلي: واقعية بلا ضفاف" (رام الله، فلسطين: وزارة الثقافة الفلسطينية، 2017)،
11. "دراسات في بنية الوسيط السينمائي" (الشارقة، دائرة الثقافة) . 2018
12. في البدء كانت الكلمة ـ السيناريو، أحدث طبعة (أونتاريو ـ محترف أوكسجين) 2024،
13. الفيلم التسجيلي والفيلم الروائي: دراسات في البنية" (بغداد، دار المدى) 2023 ،0
14. المرئي والمسموع في السينما، منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما 112) 2006.

صدر عنه:
1. "عاشق فلسطين"، محسن ويفي، (القاهرة، وزارة الثقافة) 1995،
2. "قيس الزبيدي ـــــ الحياة قصاصات على الجدار" ، محمد ملص، (بيروت ـ هاشيت أنطوان) 2019

مكانته وإرثه:
يُعدّ قيس الزبيدي واحداً من أهم المخرجين السينمائيين العراقيين والعرب، وقد ترك بصمة واضحة في تاريخ السينما التسجيلية والوثائقية العربية. أفلامه تُعتبر وثائق فنية وتاريخية هامة، تسجل الواقع العربي وتُعبّر عن هموم الإنسان وتطلعاته. ألهم الزبيدي العديد من المخرجين الشباب في العراق والعالم العربي، الذين يسعون إلى تقديم سينما ملتزمة بقضايا الإنسان والمجتمع.